علّموا أبناءكم « الكذب»..!

الاثنين، 27 مايو 2013 التسميات:
مجدى الجلاد

علّموا أبناءكم « الكذب»..!

مجدى الجلاد الأحد  26-05-2013 21:55
 
ولد وبنت فى عمر الزهور.. البنت على حافة العاشرة، والولد أصغر منها بثلاثة أعوام.. جلست بينهما سعيداً، إذ أهوى تجاذب أطراف الحديث مع الأطفال.. ربما لأننى أحب أن أرى نفسى دائماً طفلاً كبيراً، وربما لأن البراءة تغسلنى، والصدق عزَّ بين الناس وبات لدى الأطفال وحدهم..!
ينتمى الولد والبنت إلى أسرة إخوانية.. تربطنى بالأسرة صلة قرابة.. ولأننى فقدت الأمل فى إصلاح «العقل الإخوانى» توقفت منذ فترة طويلة عن دخول أى نقاش معهم.. قلت لنفسى: «الدم أبقى من السياسة.. لنكن أقارب تجمعنا صلة الرحم، مهما اختلفنا فى الآراء».. لذا كان حديثى مع الطفلين طفولياً مثلنا، أنا وهما.. عن المدرسة.. الكارتون.. وأحلام بكرة.. غير أن صفاء الجلسة ونقاء الكلام وبراءة الأحلام انقطعت فجأة!
ساد الظلام البيت.. انقطعت الكهرباء.. فوجدت نفسى أحاول احتضان الطفلين خشية إصابتهما بالرعب.. والواقع أنهما شعرا بالخوف، ولكنهما صرخا بصوت واحد وصاعق: «ربنا ينتقم منك يا شفيق»!.. اتسعت عيناى وتملكتنى الدهشة والذهول.. سألتهما ببراءة: «مين شفيق يا حبايبى؟».. فردا بتناغم دقيق: «أحمد شفيق يا عمو».. قلت: «أحمد شفيق مين؟!.. الراجل اللى نعرفه كلنا ولّا واحد عندكم فى البلد؟».. فقالا بنفس التناغم: «الفريق أحمد شفيق.. ربنا ينتقم منه ويقذف به فى جهنم.. يا رب!».. ثم أردفا فى صوت واحد: «آمين.. آمين.. آمين»..!
كنت أسمع كلامهما وأنا أتحرك ببطء فى الشقة بحثاً عن كشاف الكهرباء.. أحسست بدوار و«هبوط فى ضغط الدم»، وكدت أسقط من هول الكلمات.. أضاء الكشاف حجرة بيتى وجلست بينهما من جديد.. وسألتهما: «ما علاقة أحمد شفيق اللى ربنا ينتقم منه بالكهرباء والظلام؟!».. أجابا بنفس التناغم والتناسق وفى صوت واحد: «بتقول إيه يا عمو؟!.. ما هو شفيق عليه لعنة الله هو اللى بيقطع الكهربا كل يوم.. لا بنعرف نقعد، ولا بنعرف نذاكر.. وبنخاف من الضلمة.. بس ليه يا عمو الراجل ده بيقطع عنا النور؟! يا ريت يا عمو نموّته أو ندخله السجن علشان الكهربا تفضل شغالة على طول.. ربنا ياخدك يا شفيق ويريحنا منك»..!
يا نهار منيّل! صرخت بداخلى دون أن تظهر علىّ علامات «الهبوط».. وسألتهما: «من قال لكما هذا الكلام؟!».. أجابا: «بابا وماما يا عمو».. قلت: «إزاى يا ولاد؟!»، فردا: «لما النور بيتقطع ونخاف.. بابا وماما بيقولوا لنا إن شفيق عدو عمو مرسى هوه اللى بيقطع الكهربا»!.. قاطعتهما صارخاً: «عمو مين.. عمو مرسى؟!.. هو مرسى عمو زيى كدا؟!».. فقالا: «لأ، عمو محمد مرسى هو عمنا الكبير.. وانت عمنا عادى كده.. يعنى قرايب وخلاص»..!
ضحكت.. وسألتهما: «بس مرسى لازم يبقى بابا مش عمو».. فضحكا ببراءة شديدة وضربا كفاً على كف: «إنت مش عارف حاجة خالص يا عمو.. معقولة كبير كده وجاهل؟ مرسى عمو.. وبديع بابا».. وأضافا ببراءة أشد: «هوه مش مرسى عمك إنت كمان يا عمو؟».. فقلت فى سرى: «عَمَى الدبب..»!!
المهم.. قال لى الطفلان إن والديهما يقولان لهما على مائدة الطعام إن شفيق هو الذى يجعل أرغفة العيش «مسفوخة ومعفنة».. وأنه -أى شفيق عدو الله- هو الذى يقتل الشباب فى الشوارع، وأن عمو مرسى يحاربه لحماية الأبرياء وإعادة النور إلى اللمبات، وتوفير رغيف عيش «مفقع» للناس، وأن شفيق القاتل معه ناس تساعده، وبرامج وتليفزيونات وإعلاميون ينفذون جرائمه، والأهم من كل ذلك أن يوماً سيأتى نتخلص فيه من كل المجرمين اللى بيخرّبوا فى البلد.. سألت الطفلين: «هيتخلصوا منهم إزاى يا حبايبى؟!»..
صمت الطفلان ونظر كل منهما إلى الآخر، ورغم أن البنت حاولت إسكات شقيقها الأصغر فإنه نطق: «بابا بيقول يا عمو إن بابا المرشد وعمو مرسى هيقتلوهم أو يدخّلوهم السجن».. ثم نظر إلىّ بحنان بالغ وأردف: «على فكرة يا عمو.. إنت منهم.. بابا قال لى ما تسمعش كلام عمو مجدى لأنه من اللى بيقطعوا النور.. بس ما تخافش أنا هبوس إيد بابا المرشد علشان يسامحك»..!
تركت الطفلين وانصرفت.. وتذكرت قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدى إلى البر، وإن البر يهدى إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدّيقاً. وإياكم والكذب! فإن الكذب يهدى إلى الفجور، وإن الفجور يهدى إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذّاباً». قال الترمذى: حدث حسن. وقول سيدنا عمر بن الخطاب: «علّموا أبناءكم السباحة والرماية وركوب الخيل»..!
26-05-2013 21:55

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Misr 4ever © 2010 | تعريب وتطوير : misr-4ever | Designed by Blogger Hacks | Blogger Template by ColorizeTemplates